رحلة التوازن بين العطاء والذات
كيف تعتني بكبار السن دون أن تفقد نفسك؟ رحلة التوازن بين العطاء والذات
رعاية كبار السن أشبه بالإبحار في بحر من الذكريات والتحديات؛ أحيانًا يكون الموج هادئًا، فنجد في صحبتهم دفئًا وحكمة، وأحيانًا تعصف بنا الرياح عندما نواجه مشاعرهم المتقلبة أو تدهورهم الصحي. في خضم هذا البحر، قد يغرق الجليس في مسؤولياته حتى ينسى نفسه. لكن هل من الممكن أن يكون الإنسان ميناءً آمنًا لغيره دون أن يتشقق قارب حياته؟ كيف نحافظ على توازننا العاطفي والنفسي أثناء تقديم الرعاية؟
1.لا تنسَ نفسك في رحلة العطاء
مثل الشمعة التي تنير الآخرين لكنها قد تحترق، يجد الكثير من مقدمي الرعاية أنفسهم مستنزفين عاطفيًا وجسديًا دون أن يدركوا ذلك. نظرية الإرهاق العاطفي في علم النفس تؤكد أن الاستنزاف المستمر دون تجديد للطاقة يمكن أن يؤدي إلى مشكلات نفسية مثل الاكتئاب والقلق. لذلك، لا بد من إعادة شحن الذات عبر لحظات خاصة من الراحة والاسترخاء، حتى لا يتحول العطاء إلى استنزاف قاتل.
2.ضع حدودًا واضحة لحماية طاقتك
الرعاية لا تعني الذوبان التام في حياة الآخر، وإلا سيجد الإنسان نفسه كظلٍّ يختفي ببطء. عالم النفس دونالد وينكوت تحدث عن مفهوم الذات الحقيقية والذات الزائفة، حيث يفقد الشخص هويته حين يحاول إرضاء الآخرين بشكل مفرط. لذا، من المهم وضع حدود واضحة؛ حدد أوقاتًا للراحة، ولا تخجل من قول "لا" لبعض الطلبات غير الضرورية، فالمحبة الحقيقية لا تعني التضحية بالنفس حتى الفناء.
3. تذكر أنك لست وحدك
في المسرح، لا يؤدي البطل المشهد وحيدًا، بل يحتاج إلى ممثلين يساندونه. كذلك في رعاية كبار السن، لا يجب أن يتحمل شخص واحد كل الأعباء. تشير دراسة من جامعة كاليفورنيا إلى أن مقدمي الرعاية الذين يطلبون الدعم من الآخرين، سواء من الأسرة أو الأصدقاء أو حتى مجموعات الدعم، يعانون من معدلات أقل من التوتر والاكتئاب. لا تتردد في طلب المساعدة، فالرحلة تصبح أيسر حين يكون هناك من يشاركك الطريق.
4. استثمر في صحتك النفسية والجسدية
يقول الطبيب النفسي كارل يونغ: "من ينظر خارج نفسه يحلم، ومن ينظر داخلها يستيقظ." لذا، لا تدع مسؤولياتك تجاه الآخرين تعميك عن احتياجاتك الداخلية. من الضروري أن:
تمارس الرياضة بانتظام، حتى لو كان مجرد المشي في الهواء الطلق.
تحافظ على نوم كافٍ وتغذية متوازنة.
تمارس التأمل وتقنيات الاسترخاء لتخفيف التوتر.
تلجأ إلى استشارة نفسية إذا شعرت بالإرهاق العاطفي.
5. ابحث عن لحظات المتعة مع المسن
الحياة ليست فقط قائمة مهام تُنجز، بل لحظات تُعاش. لا تجعل الرعاية مجرد واجب ثقيل، بل ابحث عن لحظات من الفرح. استمع إلى ذكرياته، شاهدا معًا فيلمًا قديمًا، أو استمتع بموسيقى كانت جزءًا من شبابه. علم النفس الإيجابي يشير إلى أن بناء ذكريات جميلة مع المسنين يساعد في تقليل توترهم ويدعم الصحة النفسية للجليس نفسه.
6. تقبل المشاعر المتناقضة
كما أن البحر لا يكون دائمًا أزرق صافيًا، كذلك المشاعر لا تكون دائمًا جميلة أو مثالية. قد تشعر بالحب والامتنان تجاه المسن، وفي نفس الوقت بالإرهاق أو حتى الغضب. لا تجلد ذاتك بسبب هذه المشاعر، بل تعامل معها بتقبل. الدراسات في العلاج السلوكي الجدلي (DBT) تؤكد أن قبول المشاعر المتناقضة دون مقاومة يقلل من التوتر النفسي.
7. لا تخجل من طلب المساعدة
"من لا يسأل، لا يصل" – حكمة قديمة لكنها تحمل كثيرًا من الصدق. إذا شعرت أنك على وشك الانهيار، فابحث عن متخصصين يمكنهم تقديم الدعم، سواء ممرضين محترفين، أو مستشارين نفسيين. الدراسات الحديثة في الصحة النفسية تشير إلى أن طلب المساعدة المبكرة يحسن جودة الحياة لكل من الجليس والمسن.
الرعاية رحلة وليست تضحية:
قد تبدو العناية بكبار السن وكأنها اختبار للصبر والقدرة على التحمل، لكنها أيضًا فرصة لفهم معنى العطاء الحقيقي. التوازن هو المفتاح، فلا تترك نفسك تغرق في أمواج المسؤولية دون أن تمتلك طوق نجاة. تذكر أن تقديم الحب لا يعني التضحية بالنفس، بل أن تكون حاضرًا بقلبك وعقلك، دون أن تفقد ذاتك في الطريق. فهل أنت مستعد لأن تكون ميناءً آمنًا للآخرين، دون أن تهمل سفينتك؟